السؤال
قرأت تفسير قول الله -تعالى-: "خذ العفو
وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"، وأردت أن أسأل، هل يدخل في قوله -تعالى-:
"خذ العفو" أنه إذا قدم لي شخص خدمة بطيب نفس قبلتها، وإن رأيت أن في
ذلك إثقالا عليه تركتها؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،
وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا المعنى الذي ذكرتَه لأخذ العفو
محتملٌ، وفي كلام الألوسي في (تفسيره) ما يشير إليه، وانظر المأثور من كلام
المفسرين لتأويل أمر الله -تعالى- لنبيه بأخذ العفو من الناس، في الفتوى: 411481.
والذي ننصحك به هو أن لا تتردد في قبول ما
يُهدى؛ لأنَّ الناس غالبًا لا يُهدون شيئًا لا تسمح به نفوسهم، حتى لو كان فيه نوع
نفاسة؛ لأنهم ربما حملهم على ذلك الرغبةُ في الثواب، أو الرغبة في إسعادك،
ومواساتك، أو ذلك كله، فلا تمنعهم من تحقيق ما أرادوا.
وإذا كنت قادرًا على مكافأتهم -لاحقًا- فافعل،
وإلا يكفيك أن تقول للمحسنين إليك: (جزاكم الله خيرًا)، فقد روى أبو داود والنسائي
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا، فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا
تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ.
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: مَنْ صُنِعَ
إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ، فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ
أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ. رواه الترمذي، وحسَّنه.
والله أعلم.
=================
السؤال
كثيرًا ما يذكر في الآيات أن الجنة للذين
آمنو وعملوا الصالحات. فما هو العمل الصالح؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالعمل الصالح هو الذي تحقق فيه شرطا
القبول وهما: الإخلاص والمتابعة. قال تعال: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو
لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ
أَحَداً [الكهف:110].
قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: إن العمل
لا يقبل إلا إذا كان خالصاً صواباً، فالخالص: أن يكون لوجه الله،
والصواب: أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا؛ فكل عمل وافق سنة الرسول الله
-صلى الله عليه وسلم-، وابتغي به وجه الله فهو عمل صالح، وفعل الواجبات
والمستحبات، وترك المنكرات والمكروهات، عمل صالح يثيب الله عليه، قال تعالى:
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ
الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46].
ذكر الألوسي في تفسيره عن ابن مردويه، وابن
المنذر، وابن أبي حاتم في رواية أخرى عنه: تفسيرها بجميع أعمال الحسنات، وفي معناه
ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن قتادة أنها: كل ما أريد به وجه الله تعالى،
وعن الحسن وابن عطاء أنها: النيات الصالحات .. الخ، روح المعاني (8/272).
ولا شك أن الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم،
والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتلاوة القرآن والذكر، والتسبيح
والتحميد، وسائر أعمال البرّ كل ذلك يندرج في الأعمال الصالحة التي ينبغي أن يحرص
عليها المؤمن؛ لينال موعود الله سبحانه القائل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً *
خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً [الكهف: 106-107] إلى غير ذلك من الآيات
التي لا يتسع المقام لذكرها.
والله أعلم.
مواد ذات صلة
الصحيح في تفسير
الآية ( ومن أعرض عن ذكري..) عمومها في كل معرض عن ذكر الله
لا تعارض بين
قوله تعالى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى. وقوله: فَبَدَتْ
لَهُمَا سَوْآتُهُمَا.
الحكمة من ذِكر
عدد أيام خلق السموات والأرض
التقدير من
أساليب اللغة العربية والقرآن عربي
من معاني العفو
في قول الله تعالى: خذ العفو
تفسير قوله
تعالى: ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ...
الحكمة من إجمال
النعيم في بعض سور القرآن وتفصيله في غيرها
====================
السؤال
قال تعالى في سورة الأنعام: قد جاءكم بصائر
من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ {الآية: 104} وسؤالي
هنا في جملة: وما أنا عليكم بحفيظ - رأيت في التفاسير أن المتكلم في هذه الجملة هو
الرسول عليه الصلاة والسلام، فكيف والقرآن كلام الله، ولم يكن في الآية على سبيل
المثال قل ما أنا عليكم بحفيظ، أو ما أنت عليهم بحفيظ؟ وكيف علم المفسرون أن الذي يتكلم
هنا هو الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،
وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بـ: قل- مقدر هنا في هذه الآية
في بدايتها، وهذا كثير وقوعه في القرآن، فقد قال ابن عاشور في التحرير والتنوير
-7/ 418: هذا انتقال من محاجة المشركين، وإثبات الوحدانية لله بالربوبية من قوله:
إن الله فالق الحب والنوى -إلى قوله- وهو اللطيف الخبير- فاستؤنف الكلام بتوجيه
خطاب للنبي - عليه الصلاة والسلام- مقول لفعل أمر بالقول في أول الجملة، حذف على الشائع
من حذف القول للقرينة في قوله: وما أنا عليكم بحفيظ- ومناسبة وقوع هذا الاستئناف
عقب الكلام المسوق إليهم من الله تعالى أنه كالتوقيف، والشرح، والفذلكة للكلام
السابق فيقدر: قل يا محمد قد جاءكم بصائر.... اهـ.
ومثل هذا التقدير يعرف من أسلوب الكلام،
ومن ذلك ما ورد في سورة الفاتحة، فقد قدروا قولوا قبل الحمدلة، بدليل قوله: إياك
نعبد- فقد قال الإمام الطبري في جامع البيان -1/ 139: إن قال لنا قائل: وما معنى
قوله: الحمد
لله؟ أحمد الله نفسه، جل ثناؤه، فأثنى عليها، ثم علمناه لنقول ذلك، كما قال ووصف
به نفسه؟ فإن كان ذلك كذلك، فما وجه قوله تعالى ذكره إذا -إياك نعبد وإياك نستعين-
وهو عز ذكره معبود لا عابد؟ أم ذلك من قيل جبريل، أو محمد رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-؟ فقد بطل أن يكون ذلك لله كلاما، قيل: بل ذلك كله كلام الله جل ثناؤه،
ولكنه جل ذكره حمد نفسه، وأثنى عليها بما هو له أهل، ثم علم ذلك عباده، وفرض عليهم
تلاوته، اختبارا منه لهم، وابتلاء، فقال لهم قولوا: الحمد لله رب العالمين-
وقولوا: إياك نعبد وإياك نستعين- فقوله -إياك نعبد- مما علمهم جل ذكره أن يقولوه،
ويدينوا له بمعناه، وذلك موصول بقوله: الحمد لله رب العالمين- وكأنه قال: قولوا
هذا وهذا، فإن قال: وأين قوله: قولوا- فيكون تأويل ذلك ما ادعيت؟ قيل: قد دللنا فيما
مضى أن العرب من شأنها- إذا عرفت مكان الكلمة، ولم تشكك أن سامعها يعرف، بما أظهرت
من منطقها، ما حذفت حذف ما كفى منه الظاهر من منطقها، ولا سيما إن كانت تلك الكلمة
التي حذفت، قولا، أو تأويل قول، كما قال الشاعر:
وأعلم أنني سأكون رمسا ... إذا سار النواعج
لا يسير
فقال السائلون لمن حفرتم؟ ... فقال
المخبرون لهم: وزير
قال أبو جعفر: يريد بذلك، فقال المخبرون
لهم: الميت وزير، فأسقط الميت، إذ كان قد أتى من الكلام بما دل على ذلك، وكذلك قول
الآخر:
ورأيت زوجك في الوغى ... متقلدا سيفا ورمحا
وقد علم أن الرمح لا يتقلد، وإنما أراد:
وحاملا رمحا، ولكن لما كان معلوما معناه، اكتفى بما قد ظهر من كلامه، عن إظهار ما
حذف منه، وقد يقولون للمسافر إذا ودعوه: مصاحبا معافى- يحذفون: سر، واخرج- إذ كان
معلوما معناه، وإن أسقط ذكره، فكذلك ما حذف من قول الله تعالى ذكره: الحمد لله رب العالمين-
لما علم بقوله جل وعز: إياك نعبد- ما أراد بقوله: الحمد لله رب العالمين- من معنى
أمره عباده، أغنت دلالة ما ظهر عليه من القول عن إبداء ما حذف، وقد روينا الخبر
الذي قدمنا ذكره مبتدأ في تأويل قول الله: الحمد لله رب العالمين- عن ابن عباس،
وأنه كان يقول: إن جبريل قال لمحمد: قل يا محمد: الحمد لله رب العالمين- وبينا أن
جبريل إنما علم محمدا ما أمر بتعليمه إياه، وهذا الخبر ينبئ عن صحة ما قلنا في
تأويل ذلك... اهـ. والله أعلم.
اسلام ويب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق